﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾
[الأنفال: 39]
في هذه الآية يبيّن الله عز وجل الغاية الكبرى من القتال في سبيله، وهي إزالة الفتنة عن الناس، وتصفية الأرض من الشرك والظلم والطغيان، حتى يُعبد الله وحده، وتُقام شريعته، ويخضع الخلق كلهم لحكمه وسلطانه.
والفتنة هنا ليست الفوضى ولا القتال نفسه، بل هي الشرك بالله، وصدّ الناس عن دينه، وتحكيم القوانين الوضعية، والتضييق على أهل الإيمان. فكل سلطة تصد عن سبيل الله، وتحكم بغير ما أنزل الله، فهي فتنة يجب دفعها، كما اتفق على ذلك أهل التفسير.
قال ابن عباس: "الفتنة: الشرك". وقال مجاهد: "الفتنة أن يُفتن المؤمن عن دينه".
وقال ابن كثير: "أي قاتلوهم حتى لا يكون شرك، ويكون الدين كله لله وحده، فمتى انتهوا عن كفرهم، دخلوا في الإسلام، كففنا عنهم".
ولم يُشرع الجهاد في الإسلام للعدوان ولا للبطش، وإنما شرع لإزالة الفتنة، ودفع الظلم، وتمكين شريعة الله، فلا سلطان للطاغوت، ولا شرع غير شرع الله.
﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ﴾
[النساء: 76]
فالقتال ماضٍ إلى قيام الساعة، ما دامت الفتنة قائمة، وما دام الطغيان راسخًا. ولا يتوقف القتال إلا إذا خضع العدو لحكم الله، وارتفع الشرك، وسقطت الرايات الجاهلية.
﴿وَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾
[الأنفال: 39]
ومن تخلّف عن الجهاد، أو رضي بالفتنة، فقد عرض نفسه للوعيد الشديد، قال تعالى:
﴿إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾
[التوبة: 39]
فالواجب على أهل الإيمان أن يثبتوا على الحق، وأن يبذلوا النفس والمال في سبيل الله، حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله، وتُقام راية التوحيد خالصة، لا يعلوها شرك ولا طغيان.
هذه هي غاية الجهاد، وبه قامت الدولة الإسلامية الأولى، وبه يُستعاد سلطان الشريعة، ويُمحى سلطان الطاغوت.
فمن رام إقامة الدين بلا جهاد، فهو كمن يزرع بلا أرض، أو من يبني بلا أساس.
الجهاد لرفع الظلم وإقامة العدل
﴿وَقَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾
[التوبة: 29]
الجهاد في الإسلام هو وسيلة لتحرير الناس من عبودية الطواغيت وأولياء الشرك، ولإقامة العدل الإلهي على الأرض. هو ليس نزوة أو نزاعاً على السلطة، بل هو فرض إلهي حتى تزول الفتنة، ويكون الدين كله لله وحده.
الفتنة تعني فساد الدين، وعبودية الإنسان لغير الله، وتحكم الطغاة بالقوة، وإجبار الناس على ترك شريعة الله. فإذا استسلم الناس للفتنة، فقد ضاع الدين، وعم الظلم، وانتشر الكفر.
الجهاد يحمي المجتمع الإسلامي من التفسخ والتمزق، ويحفظ وحدة الدين والسياسة، لأنهما وجهان لعملة واحدة في الإسلام.
ومتى انتصر الجهاد ورفع الظلم، يتحقق الأمن والاستقرار، ويعم الخير، ويكون حكم الله هو القائم بين الناس.
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾
[الأنفال: 2]
ومن لا يثبت على الجهاد خوفًا من الأعداء، فقد خذل دين الله وأهله، ورمى نفسه في نار العقاب، فالله عز وجل وعد بالنصر للثابتين، وبالعذاب للمفرطين.
فالجهاد سبيل لإقامة التوحيد، ولحفظ كرامة الأمة، ولرفع الظلم والفساد.